الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
ولد الشيخ امحمد المهدي أبوعجيلة سنة 1916 أو 1917 في قرية وادنه إحدى قرى مسلاته, وتعلم مبادئ القرآن على عمه الشيخ حمودة أبوعجيلة في القرية المذكورة ,ثم انتقل إلى زاوية الشيخ الدوكالي بقرية زعفران حيث أتقن حفظ القرآن الكريم برواية قالون عن نافع على الشيخ رجب أبو جناح .
وأخذ مبادئ العلوم الشرعية واللغوية على الشيخ الطيب العربي بنفس زاوية الدوكالي , ثم سافر إلى مدينة زليطن حيث راجع حفظه لكتاب الله العزيز على كبار مشائخ زاوية الشيخ عبد السلام الأسمر , وقرأ العربية والفقه على أشهر علمائها ,مثل الشيخ منصور أبو زبيده . ومن الكتب التي ختمها عليه: حاشية ابن حمدون على شرح مياره لنظم ابن عاشر في الفقه المالكي , وحضر دروسه في التفسير والحديث , وكان الشيخ أبو زبيده يقرئ الطلبة تفسير الجلالين, ويُحضر معه الكشاف للزمخشري , وفي الحديث كان يتتبع كتاب الجامع الصغير للسيوطي. كما حضر عليه بعض دروس النحو والبلاغة , وكان ذلك منتصف القرن الهجري الماضي .ثم انتقل إلى طرابلس حيث استأنف حضور الدروس بزاوية ميزران حيث قرأ الورقات في الأصول على الشيخ علي النجار , وأقرب المسالك على الشيخ الصغير من غريان , وقرأ أكثر قسم النحو من الألفية وبعض قسم الصرف منها على الشيخ أحمد بكير , وحاشية التسولي على العاصمية على الشيخ غومة , والأجزاء الثلاثة من حاشية الدسوقي على الشرح الكبير على مختصر خليل على الشيخ علي الغرياني .
وكانت نيته ـ كما أخبرني أكثر من مرة ـ الذهاب إلى الأزهر , ولكن ظروفاً حالت دون ذلك ,فقد زوجه أبوه دون مشاورته , فرجع إلى البلد متأسفا , وتألم مشائخه لهذه المغادرة .
ولكن الشيخ استمر في قرائته بقية الألفية لشرح ابن عقيل , وأكمل الجزء الرابع والأخير من حاشية الدسوقي على الشيخ أبي بكر البودي ـ أحد شيوخ مسلاته المشهود لهم بالعلم . وبعد وفاة شيخه هذا جلس للتدريس في مسجد القبيلة فترة طويلة , وعلم القرآن فترات متقطعة , وبقي إماما لقبيلته وادنه مدة طويلة وخطيب جمعتها . ودارت عليه الفتوى والتوثيق في مسلاته بل في المناطق المحيطة بها أكثر من نصف قرن , وساهم في حل مشاكل لا حصر لها بين أفراد , بل بين بعض القبائل في مناطق مختلفة , ورحل إلى الحجاز لحج بيت الله الحرام ثلاث مرات.
وكان ـ رحمه الله ـ له فهم عجيب في تنزيل الأحكام الشرعية على النوازل , وقد حضرته يفعل ذلك مالا أحصيه عددا , فقد صحبته فترة طويلة خمسا وثلاثين سنة , أي منذ سنة 1968 حتى مرضه الأخير , باستثناء الفترات التي كنت فيها غائبا , فراجعت عليه للقرآن كاملا برواية قالون عن نافع , وقرأت عليه كتبا كثيرة منها : جميع كتاب الشفا للقاضي عياض , وحاشية الشرقاوي على شرح الهدهدي للعقيدة الصغرى , وشرح أبى الحسن لرسالة ابن أبي زيد بحاشية العدوي بجزأيها , وجميع صحيح البخاري بحاشية السندي , وبعض شرح ابن حجر " فتح الباري " وجزءاً من مقدمة الإمام مسلم , والجزء الأول من حاشية الصبان على شرح الأشموني للألفية , وجميع كتاب ابن عاصم بشرحي التاودي والتسولي , وجميع شرح الزرقاني للموطأ برواية يحيى الليثي وكامل حاشية الدسوقي على شرح الدردير الكبير على مختصر خليل باستثناء باب الرقيق ـ فقد قرأته على غيره ـ وقرأت عليه أيضا كتاب كفاية المبتدي للبركوي في الصرف .
وقبل سنتين تقريبا وبينما هو ذاهب إلى المسجد لصلاة الفجر ـ وكان رحمه الله حريصا على حضور الصلوات الخمس في مسجد الهمالي , رغم بعده عن مسكنه ـ في ظلمة شديدة وقع على الأرض فكسر فخده , ثم مرض على إثر ذلك وبقي مريضا يصارع الألم إلى أن فارق الحياة بمنزله فجر يوم الأحد12 ذي القعدة الموافق 4/1/2004 م .رحمه الله رحمة واسعة وجزاه الله خيرا على ما قدم من خدمة للمسلمين , وما علم من قرآن وعلم شرعي وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
حمزة أبوفارس
مسلاته 15 /2 /2004